إذا كنت من المهتمين بالأدب، فقد سمعت بالتأكيد عن كتاب “رسائل لروائي شاب” لكاتب نوبل ماريو بارغاس يوسا، وأن اللاتيني غابرييل غارسيا ماركيز قدم تجربة مشابهة عبر ورشته لكتابة السيناريو، ومن دون أن يغنيك تقريري عن المرور بتجاربهم وقراءة تلك الكتب أقدم لك الآن نصائحهم في الأدب أو ما وصفوه بـ” أفضل ما تم اختراعه من أجل الوقاية من التعاسة”.
1- ابدأ فورا، فإن إصرارك على أن تكون كاتبا وتصميمك على توجيه حياتك الخاصة في خدمة هذا المشروع الأدبي طريقك الوحيد للبدء في أن تكون كاتبا، فمع استعداد منشؤه التمرد تكون قادرا على تخيل واقع وهمي تجسده بواسطة الكتابة عن حياة تختلف عن حياتنا في الواقع تعبر فيها عن رفضك له وانتقادك للحياة.
2- من أين تخرج القصص وكيف تخطر لك الموضوعات؟
يحكي يوسا عن أصل كل القصص والتي تنبع من تجربة مبتكرها، لكنها بالتأكيد ليست سيرته الحياتية مستترة بل تظل التجربة الحياتية بذرة انطلاق لقصص خيالية، حتى قال يوسا بأنه ليس هناك استثناءات على هذه القاعدة فكل يكتب جزءا من حياته، لذا عليك قبل أن تبحث عن قصة وموضوع أن تتغذى على نفسك والنبش في ذكرياتك فهي مادتك الأولية.
3- لا تتجنب شيطانك “موضوعاتك” ولا تعتقد بأنها ليست أصيلة أو جذابة بما يكفي، ففي الأدب لا وجود لموضوع جيد أو سيء فكل الموضوعات لها أن تكون الأمرين كليهما وهو ما لا يعتمد على الموضوع بل ما يتحول إليه من خلال الكتابة والسرد وطريقتك التي تجعله بسيطا أو معقدا وتخلق من خيالك واقعا مرتبا في كلمات.
4- كيف تحدد شكل روايتك؟
قوة الإقناع هي ما توسمه فيك يوسا، فيقول بأن ما ترويه الرواية لا يمكن فصله عن الطريقة التي رويت بها حيث ترتكز قوة الإقناع فيها على أساس تقوم فيه أنت بتضييق المسافة بين الوهم والواقع وهنا تجعل القارئ يعيش كذبتك كما لو أنها حقيقة وواقع.
ويتألف شكل الرواية من عنصرين بنفس درجة الأهمية هما الأسلوب والنسق. الأول يتعلق بكلماتك والبناء الذي تروي به القصة، والثاني بتنظيم المواد التي تتألف منها تلك القصة وهي الراوي والمكان والزمان القصصي.
5- من يروي حكايتك؟
الراوي كائن مصنوع من الكلمات، مختلق دائما، يعيش في الرواية ليرويها ليكون شخصية كباقي شخوص الرواية لكنه مختلف عنهم حيث يحكيها من زاويته هو، لكن هناك خطأ شائعًا وهو تطابق الراوي مع المؤلف والذي نقع فيه عند الكتابة باستخدام ضمير المتكلم والاعتماد على شيء من السيرة الذاتية.
هناك ثلاثة خيارات لمن يروي القصة، الخيار الأول: هو شخصية في القصة تروي بصيغة المتكلم، الثاني: الراوي العليم وهو يتحدث من خارج مسرح القصة ولا ينتمي إليها فيروي بصيغة الغائب، الثالث: الراوي الملتبس ولا يُعرف هل هو يروي من داخل حدث القصة أم من خارجه فيتوجه للقارئ ببوح مباشر.
اعلم أنك تجذب قارئك حسب تعبيرك عن الراوي وليس نوعه، ومن أشهر أمثلة الرواة في رواية موبي ديك يبدأ ميلفيل نصه “فلنفترض أنني أدعى إسماعيل”، وفي أول كلمات دون كيخوته “في مكان من المنشأ لا أريد تذكر اسمه”.
6- كيف تختار أسلوبًا شيقًا؟
هنا سنتعلم كيف نجعل الكتابة الروائية متماسكة داخليا وفعالة وذات منطق يوجهها حتى وان كنت تعبر عن قصة مشتتة في ظاهرها ليشعر قارئك بأنه ما كان للقصة أن تروى بغير هذا الأسلوب.
مع روايات غارسيا ماركيز وبارغاس يوسا وبورخيس تتصف مفرداتهم بالضرورة وتتناسب مع ما يُروى حتى لا يشعر القارئ بوجود فجوة بين ما يروى والكلمات التي يروى بها.
نصيحتك في الطريق بحثا عن أسلوب يخصك هي الإكثار من القراءة للأدباء الجيدين وتلمس الأساليب المتماسكة والضرورية، واعلم أن اكتسابك تلك المهارة وخلق أسلوبك الخاص تأتي بشكل متدرج قد تحتاج لخمس سنوات من المجهود الجبار، وقد كانت لفلوبير نظرية حول الأسلوب أسماها (الكلمة الدقيقة) أي أن هناك كلمة وحيدة تعبر عن الفكرة بالضبط، كيف يعرف الروائي أنه وصل إليها؟ بالسماع، أي عندما يكون وقعها جيدا على أذنه لذا كان فلوبير يختبر كل جملة بطريقة الصراخ فيخرج إلى طريق محفوف بالأشجار يقرأ بصوت عال ما كتبه حتى صار معروفا بطريق الأشجار.
7- فيما يتعلق بزمن العمل الأدبي نحن لا نستخدم الزمن الحقيقي الذي نعيش فيه بل هذا الزمن النفسي الذاتي وما نضفيه عليه من حرفية الروائي ومدى وعينا بالزمن ومروره. وللتعرف على نماذج ملهمة للزمن اطلع على رواية (حادث على جسر نهر البومة) وقصة بورخيس (المعجزة السرية).
للزمن داخل العمل ثلاثة احتمالات أولها: تطابق زمن الراوي وزمن ما يروى فتكون الأحداث بصيغة المضارع، ثانيا: أن يروي الراوي انطلاقا من الماضي أحداثا تجري في الحاضر أو المستقبل، ثالثا: أن يجد الراوي مكانا له في الحاضر أو المستقبل يروي منه أحداثا في الماضي.
8- احتفظ بمعلومة مخبأة، أي لا تكشف عن سر معين بالرواية وتتركه لخيال القارئ وافتراضاته، كأن لا تفسر سبب القتل أو الانتحار أو الكراهية بين شخصين، فاكتم معلوماتك بمكر واتبع أسلوب الاقتصاد السردي والقص مع الإغفال واجعل من صمت الراوي دلالة ومغزى وحلما لا نعرف إذا ما كان حقيقة أم كذبًا.
9- اكتب حتى تشعر أن الكلمات تخرج بمفردها كأن شخصا ما يمليها عليك، هذه نصيحة هيمنغواي لك، فاكتب باستمرار ودون توقف حتى تجد لنفسك ما يشبه الروتين اليومي لتتعلم وتجد صوتك الخاص وأسلوبك وتزيد ثقتك بنفسك ولا تتوقف وقدم أعمالك للنور ودعها تتحدث عنك، ولا تتوقف.
11- الإيجاز والترميز أهم أدواتك، أو كما يقولون “اقطف صوتًا من دون أن تضغط على المعنى”، ويعبر غارسيا ماركيز عن هذا بتكثيف انتباه القاص إلى مسار قصته حتى لا يضطر إلى التفكير لاحقا بوضع طريقة لإنقاذها من المأزق، فسرّ الكتابة الجيدة في قول ماركيز: “إذا كنت لا تستطيع رواية قصة في صفحة واحدة، فاختصرها إلى صفحة واحدة”.
12- يجب أن يكون الحوار إخباريًا، فالحوارات السيئة هي التي تفيض عن الحاجة ولا لزوم لها، وليس معنى ذلك أن تتخلى عن تقديم طباع شخصياتك والحالة المعنوية والموقف.
13- “الناس لا يموتون إلى الأبد إلا في الحياة الواقعية أما في الأدب افعل ما تشتهي“ فأخطر شيء يمكن أن يواجه الكاتب هو التفكير في الحدود المنطقية لأحداث العمل الخيالي وحلول المشكلات داخله، لذا ابتكر خروقات غير مسبوقة تضع القارئ في دهشة أدبية.
14- “أرني ولا تخبرني“ ، اتبع تلك الحكمة وابذل جهدك واستخدم تكنيك الأدوات الأربع “الأفعال، الأشياء، لغة الجسد، البيئة والمكان” فتلك الأدوات وسائل وصولك للتعبير بالصور والأفكار المرئية، ولتحسين مهارتك قم بالتدريب مرات على تحليل مشاهد من الأفلام وقراءة الكتب الخاصة بقراءة السيناريو.
15– امتلك القدرة على استبعاد بعض المقاطع وتمزيقها، هل تتخيل أن غارسيا ماركيز لم يتوان في تقطيع أعماله حتى أنه روى تمزيقه ل60 قصة ونثرها بأرجاء غرفته كي لا يستطيع تجميعها ثانية وهو في قمة مجده الأدبي مبررا فعلته بأن “الكاتب الجيد لا يعرف ما ينشره بقدر ما يعرف ما يلقيه في سلة المهملات”.
إذا كنت تستبعد بعض الأوراق فأنت على الطريق السليم، وحذار من الاحتفاظ بهذه الأوراق في متناول اليد بدلا من تمزيقها فبقاؤها خطر خشية إخراجها لترى إذا ما كانت مناسبة في لحظة أخرى.
16- “أنت أفضل من ثربانتس“ ردد تلك الجملة كثيرا باقتناع، أما عكس ذلك فستنتهي لأن تكون أسوأ مما أنت في الواقع، لذا تطلع عاليا نحو امتلاك وجهة نظر خاصة وشجاعة لشطب ما يتوجب شطبه والشك بتلك الأشياء التي تبدو لنا جيدة وإخضاعها للاختبار وسماع الآراء ونقدها بجدية.